( المقالة نُشرت في صحيفة ينبع الإلكترونية )
يعتبر (جيلفورد ) ، رئيس جمعية علم النفس الأمريكية خلال منتصف القرن
الماضي ، أول من ميّز بين نوعين من التفكير وهما التفكير التباعدي والتفكير التقاربي
، وقد كرّس خطابه الرئاسي للجمعية عام 1949 لموضوع الإبداع وقال " إن الإبداع
ثروة طبيعية وإن الجهود المبذولة لتشجيعه ستعود بالنفع العميم على المجتمع كله
" كما أكد على أنه يمكن دراسة الإبداع دراسة موضوعية ، وحاول في العقود اللاحقة أن يثبت هذه الفكرة ، وهو بالفعل ما قام به من
خلال قدرته على تحديد 180 مظهراً مختلفاً للعقل بُنيت عليها فيما بعد علاقة وتداخلات
الذكاء الطبيعي بالإبداع .
يقصد بالتفكير التقاربي طريقة التفكير التي ( تقرّبنا ) وتوصلنا لأفضل
إجابة وحيدة ، كالأسئلة : ما هي عاصمة المملكة العربية السعودية ؟ كم مساحة
السودان ؟ وعادة تستخدم مع هذا النوع من التفكير الطرق التقليدية في استرجاع
المعلومات كما يساعد الذكاء التقليدي على هذا النوع من التفكير ، ويستعمل مثلاً
لحل الألغاز التي يكون لها حلاً وحيداً نريد الوصول إليه ، أما التفكير التباعدي
فهو الأسلوب المستخدم عندما تُطرح الأسئلة المفتوحة لإنتاج أكبر عدد من الإجابات
مثل الأسئلة : أذكر كل الأشياء التي تحتوي على قطع بلاستيكية دائرية ؟ أذكر كافة
استعمالات الخشب ؟ ومن خلال هذا النوع من التفكير تبرز القدرات الإبداعية من خلال
كمية الإجابات أو حداثتها ومخالفتها للسائد وهو( الإبداع ) بالإضافة إلى تنوعها
وشمولها للعديد من المجالات .
وقد توصل " سيرمان " إلى نظرية أسماها ( نظرية العتبة ) حيث
تقول النظرية أن هناك حد أدنى من الذكاء ( العتبة الدنيا ) لا يستطيع الشخص أن
يكون مبدعاً إذا كان ذكاؤه أقل منها ، كما تميل النظرية إلى الاعتقاد بأن هناك ترابطاً
بين الذكاء والإبداع ولكن عند مستويات معينة من القدرة ، لذلك فإن الذكاء ضروري
ولكنه غير كافٍ للإنجازات الإبداعية .
إن إدراك أهمية الإبداع ليس بالأمر الجديد وحينما نقول ( إبداع ) فإننا
لا نتحدث عن وقت معين أو نشاط محدد ، بل نتحدث عن طريقة حياة يمارسها الشخص من
خلال طريقة تفكير تجعله يتخذ القرارات المناسبة . ويكون الفرد في الغالب قد اكتسب طريقة التفكير
هذه من خلال طريقة التربية وأسلوب التعليم وعبر وقت طويل من الممارسة بوعي
الوالدين أو المعلمين بطريقة التفكير التي يستخدمها الطفل ، مما يوصله لأن يصبح
التفكير الإبداعي لاحقاً سمة غالبة عليه وجزءً مهماً من شخصيته ، وهنا لابد أن
ندرك بأن هناك اختلافاً بين الذكاء والإبداع بالرغم من وجود علاقة كبيرة بينهما ،
فقد توصل " والاش " و " كوجان " إلى أن درجة الذكاء والمعدل
التراكمي والتفكير التقاربي اللازم لهما مستقلة عن التفكير التباعدي والتفكير
الأصيل وذلك من خلال اختبارات مقننة تم الاهتمام الكبير فيها ببيئة الاختبار وبناء
علاقة ألفة مع الطلاب وإخبارهم عند تطبيق مقاييس التفكير التباعدي أنها مجرد
تدريبات وليست للتقييم وأن الإملاء فيها غير مهم وأن التفكير بإجابة صحيحة لا يهم بقدر
الاهتمام بسرد أكبر عدد من الإجابات والهدف من هذه الإجراءات هو عدم تقييد تفكير
الطالب مما يساعد على قياس الإبداع لديه بشكل صحيح .
بقي أن نتساءل أخيراً :
ما نوع التفكير الذي نستخدمه في نظامنا التعليمي وفي تربيتنا لأطفالنا
وفي حياتنا اليومية ؟
ما الذي سيحصل لو أننا استخدمنا نوعاً آخراً من التفكير ؟
إذا كنت عزيزي القارئ قد قرأت
المقال على مهل فإنك ستدرك( غالباً ) نوع التفكير الذي سنستخدمه مع كل سؤال .
وشكراً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أتشرف بتعليقكم ومنتابعتكم