إيجابيات انخفاض أسعار النفط

( نُشرت في صحيفة خليجي بوست )

دعا صندوق النقد الدولي مؤخراً حكومات دول الخليج العربي إلى السعي نحو تنويع مصادر الدخل وعدم الاكتفاء بعائدات النفط او الغاز الطبيعي كمصدر دخل شبه وحيد للدولة ، وقد كان ما دعا إليه المجلس هو الهدف المشترك والأهم في جميع الخطط الخمسية للمملكة العربية السعودية والتي بدأت بوضعها منذ العام 1970 م ، ورغم ذلك فإننا نلاحظ أن نسبة العائدات غير النفطية لم ترتفع بالشكل المأمول والمطلوب .
لقد تعرضت أسعار النفط للعديد من التقلبات والانخفاضات خلال العقود السابقة لكن دول الخليج خصوصاً المملكة العربية السعودية كانت قادرة على تجاوزها بسبب استقرار الأوضاع الداخلية والخارجية وقلة المشاريع المنفذة وبسبب ظروف اقتصادية معينة تساعد على تجاوز الأزمة .
واليوم نلاحظ أن النفط قد فقد ما يقارب نصف قيمته خلال فترة قصيرة ، هذا في الوقت الذي تشهد فيه الملكة العربية السعودية نهضة تنموية كبرى في شتى المجالات ولم تنه بعد مشاريعها التي بدأتها معها ، كما تزامن ذلك مع بعض الظروف السياسية والأمنية بالمنطقة ، وكل تلك الظروف بلا شك تحتاج إلى مزيد من الإنفاق لتجاوزها وأدائها على الشكل المطلوب في ظل عدم موائمة الظروف كما كان في السابق وعدم قدرة الفكر والطريقة السابقة على إيجاد الحلول الناجعة للأزمة والتعامل معها ، وذلك ما دعا الدولة إلى التحرك السريع والجاد في وضع الخطط البديلة وإصدار بعض القرارات السيادية التي تحسّن الوضع الاقتصادي ، وقد بدأ مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بوضع برنامج التحول الوطني مبتدئاً بورشة عمل شارك فيها ممثلون لمختلف شرائح المجتمع لوضع المقترحات والتصورات المبدئية للبرنامج ، ويتضح من خلال هذه البداية أن طريقة وضع وتنفيذ البرنامج تختلف تماماً عن طريقة وضع الخطط السابقة وآليات تنفيذها وهذا التحوّل في حد ذاته نقطة إيجابية مهمة ساهم انخفاض سعر النفط حالياً في صناعتها .
نعلم أن انخفاض سعر النفط سوف يؤدي مباشرة إلى تأجيل بعض المشاريع التي يمكن تأجيلها ، ولهذا الأمر انعكاسات اجتماعية إيجابية لا حصر لها ، فتوقف المشاريع - رغم صعوبته وأثره على التنمية – يعني الاستغناء عن خدمات عدد كبير من العاملة الوافدة والذي يؤدي بدوره إلى تخفيف الضغط على البنية التحتية والمواد المدعومة من الحكومة وانخفاض الازدحام المروري وزيادة نسبة السعودة وغير ذلك من الإيجابيات المترتبة على ذلك الأمر ، كما أن تأجيل المشاريع في حد ذاته فعل إيجابي حيث أنه يكبح جماح النمط الاستهلاكي الذي نعاني منه ، فقلّة الموارد تجعلك تركّز على ما تحتاج إليه فعلاً .

إن تغيير طريقة التعاطي مع المستجدات المختلفة والرغبة الجادة في إيجاد الحلول المستدامة سيجعلنا نطوّر ونحسّن الكثير من المفاهيم التي ظلت راسخة لعقود في الأذهان ، كما أن توحيد الرؤى بين الحكومة والشعب وصناعة الأهداف المشتركة أمر بدا جلياً في الفترة الماضية ، كل هذا سيجعلنا أفضل وأقدر على التعامل مع المشكلات على المدى البعيد ، وقد يرتفع سعر النفط لاحقاً وسيكون عندها التخطيط واستغلال الارتفاع بشكل أفضل وأكثر فائدة لنا وللأجيال القادة ، حينها سنحمد الله كثيراً على هذا الانخفاض الحاصل . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أتشرف بتعليقكم ومنتابعتكم