هذا مقال مختصر عن الميتافيزيقيا ، العلم الذي نسمع عنه دائماً ولا نعرفه ، وقد جاء المقال على هيئة أسئلة حتى يكون أقرب للفهم . والأسئلة التي يجيب عليها هي :
ما هي الميتافيزيقيا ؟
متى أطلق هذا الاسم عليها ؟ ومن أطلقه ؟ وما معناه ؟
هل تستخدم الميتافيزيقيا التجربة ؟
هل الميتافيزيقيا هي الفلسفة الأولى ؟
ما معنى أن الله هو العلة الأولى للوجود ؟
ما هي موضوعات الميتافيزيقيا ؟
هل للميتافيزيقيا تقسيم كسائر العلوم ؟ ما هي تقسيماتها عن وجدت ؟
هل تم الاعتراض على الميتافيزيقية ؟
هل هناك ميتافيزيقيين مسلمين ؟
المقال
ما هي الميتافيزيقيا ؟
الميتافيزيقيا باختصار كانت تطلق على مجموعة البحوث والمقالات التي كتبها أرسطو باللغة اليونانية في عدة كتب ، ثم جمعت في كتاب واحد ، وأصبحت فيما بعد علم يطلق عليه هذا الاسم .
متى أطلق هذا الاسم عليها ؟ ومن أطلقه ؟ وما معناه ؟
لم يعرف فلاسفة اليونان هذا الاسم ، ولم يظهر في عصرهم . بل ظهر غي العصر الذي يليه المسمى ( الهلنيستي ) في العام الستون قبل الميلاد تقريباً ، عندما قام أندرونيقوس الرودسي ، رئيس المدرسة المشّائية في روما ( المدرسة المشّائية هي المدرسة الأرسطية ، والسبب في هذه التسمية أن من عادة أرسطو حينها أن يمشي في المدرسة التي أنشأها في ملعب رياضي يسمى اللوقيون ، فيأتي إليه تلاميذه ليلقي عليهم دروسه وهو يمشي في الحديقة ) بتصنيف كتب أرسطو وترتيبها وشرحها ، وأثناء ذلك وجد أن مجموعة تلك البحوث والكتب لم يطلق عليها أي اسم ، وأنها جاءت بعد مجموعة البحوث التي كتبها في الطبيعة ( الفيزيقيا ) ، فسماها ( ميتا ) أي ما بعد ، ليصبح اسمها ( ميتا..فيزيقيا ) أي ( ما بعد الطبيعة ) . والقصد أنها مجموعة الكتب البحوث التي تلت كتب الطبيعة . ولم تكن كلمة ( ميتافيزيقيا ) تحمل أي إشارة إلى مضمون تلك البحوث ، بل هي ما بعد طبيعة أرسطو فحسب ، ثم أصبحت فيما بعد ( مصادفةً ) تشير إلى المضمون ، بعد أن أصبح هذا العلم يهتم بكل ما تجاوز الظواهر المحسوسة .
هل تستخدم الميتافيزيقيا التجربة ؟
الميتافيزيقيا علمٌ قائمٌ على العقل ، لا تدخل فيه التجربة .
هل الميتافيزيقيا هي الفلسفة الأولى ؟
نعم . فاسم ( الفلسفة الأولى ) كان أرسطو يطلقه على مجموعة البحوث الميتافيزيقية ويرى أنها المبادئ الأولى والعلل البعيدة التي تشمل جميع المبادئ الأخرى . فهي أشمل العلوم وأكثرها يقيناً وتجرداً لأن موضوعها النهائي هو العلة الأولى أو المبدأ الأول . وهو أشرف الموضوعات وهو : الله .
ما معنى أن الله هو العلة الأولى للوجود ؟
حينما نقول أن الميتافيزيقيا تبحث عن العلل في الموجودات وسبب وجودها ، وننتقل من علة إلى أخرى أعلى منها ، ونعلم أنه من المستحيل أن تكون العلل لا متناهية ، بل لابد أن تكون هناك علة أولى أزلية تشترك فيها جميع الموجودات ، وهو الله . ومن هنا تنشأ العلاقة بين الميتافيزيقيا واللاهوت وهو علم الآلهة .
ما هي موضوعات الميتافيزيقيا ؟
لابد أن نعرف أن موضوعات الميتافيزيقيا تطورت مع الزمن ،ولكنها في الأساس ، وحسب تعريف أرسطو : البحث في الوجود بما هو موجود . ويعني هذا أن نبحث عن الحقيقة الغائبة من خلال ما هو حاضر أمامنا . مثلاً : أمامك حجر ، فهو موجود ، ولكنك لا تبحث فيه وتحلله وتسجل خواصه ، بل تثير الأسئلة التي تكشف الحقيقة الكامنة خلفه . ما أصله ؟ كيف تكون ؟ ما هي مادته الأولية ؟ وهكذا .
ثم امتد مجال الميتافيزيقيا في الفلسفة الحديثة ( 1588 – 1776 م ) ليشمل نظرية المعرفة . وقد اهتم الفلاسفة المعاصرين بمشكلة المعرفة وطرحوا حولها العديد من الأسئلة : ما مصادر المعرفة ؟ أهي الحواس أم العقل ؟ أم إلى حاسة سادسة ؟ وهل تستطيع قدراتنا وملكاتنا أن تعرف كل شيء ؟ وغيرها من الأسئلة التي تشكل مشكلة المعرفة . وبذلك تنشأ علاقة وثيقة بين نظرية الوجود ونظرية المعرفة ، حيث أن البحث في الطبيعة الحقيقية يستلزم البحث في قدرتنا المعرفية . وفي هذا المجال تحدث الكثير من الفلاسفة الوجوديون عن فكرة الوجود . ما هو ؟ أين أنا ؟ كيف جئت ؟ ماذا سيحدث بعد ذلك ؟ وشمل البحث الموت وأثيرت حوله التساؤلات ، بل وقالوا إن الموت يتبع مع الجميع سياسة ديمقراطية تقوم على المساواة المطلقة إن صح التعبير ، فهو لا يميز بين أحد وآخر مهما كان . وأن طبيعة الموت متناقضة ، لأنه يجمع بين اليقين وعدم اليقين ، فأنت تعلم يقيناً أنك ستموت ، ولكنك لا تعلم أبداً متى ستموت . ومتناقض لأنه نهاية وبداية في نفس الوقت .وأنه حرية وقيد .
وإذا كانت الوجودية قد اهتمت بالحياة والموت فإنها اهتمت أيضاً بالحب ، والقلق ، والخوف ، وقالت إن القلق هو الخوف من مجهول ، وبالحرية ، والاختيار والمسئولية والالتزام والذنب والضمير وتحقيق الذات وبالجسد والوجود الزائف .
وهكذا نجد أن موضوعات الميتافيزيقيا ومشكلاتها لم تقف جامدة ، بل كانت تتغير وتتطور طوال تاريخها ، ولكن هناك مشاكل دائمة ظلت ملازمة لها طوال حياتها مثل : مشكلة النفس وعلاقتها بالبدن ومشكلة وجود الله والأدلة على وجودة ومشكلة الزمان والمكان والجوهر والمادة والسببية والكليات والجزئيات والتغير والهوية الشخصية .
هل للميتافيزيقيا تقسيم كسائر العلوم ؟ ما هي تقسيماتها عن وجدت ؟
نعم . للميتافيزيقيا تقسيم واضح منذ نشأتها ، ولكن لم يقسمها أحد حتى القرن السابع عشر ميلادي حيث قسمها كريستيان فولف الفيلسوف التنويري الألماني . وقد قسّمها كالتالي :
1- القسم الأول : الأنطولوجيا أو نظرية الوجود :
وقد تحدثنا عن ذلك وكيف أن أرسطو كان يبحث في الوجود بما هو موجود وثم تطورت لنظرية المعرفة حتى ظهرت الوجودية الحديثة والتي تهتم بالوجود البشري .
2- القسم الثاني : السيكولوجيا العقلية :
وهي تهتم بدراسة النفس البشرية ، هل هي بسيطة أم معقدة ؟ هل هي نفس واحدة أم عدة أنفس ؟ وما العلاقة بينها ؟ وما الفرق بين النفس والروح ؟ وما علاقة الروح بالبدن ؟ وكيف تتحول الأمور النفسية إلى مادية ؟ ( مثل احمرار الوجه عند الخجل ) . وما مصير النفس بعد الموت ؟ وكيف تعاقب النفس بعد الموت ؟ وغيرها من الأسئلة .
3- القسم الثالث : الكسمولوجيا أو الكونيات :
ويشمل العالم وظهور الكون ومم يتألف ؟ وما هي الحياة ؟ وما أصلها ؟ ويدرس كذلك الأزل والزمان والمكان والغائية ( وهي البحث في غاية الحياة ) .
4- القسم الرابع : اللاهوت العقلي أو الطبيعي :
وهو يناقش موضوع الألوهية والأدلة على وجود الله وصفاته ، وانقسم الفلاسفة فيه إلى ثلاثة أقسام :
· مذهب التأليه :وهم يؤمنون بوجود الله ، بعضهم موحدين وبعضهم مشركين يقولون بتعدد الآلهة .
· مذهب الطبيعيين الإلهي : يقولون هناك إله ، ولكنهم ينكرون الوحي والرسل ، ويقولون بأن العقل قادر على معرفة الله دون رسل .
· مذهب الإلحاد : وهم ينكرون الألوهية بكل صورها . وكان الغزالي يسميهم الدهريين أو الزنادقة ومنهم ماركس ونيتشه وسارتر .
هل تم الاعتراض على الميتافيزيقية ؟
نعم . قامت العديد من المشاكل والانتقادات على هذا العلم على مر العصور خصوصاً في العصر الحديث وكانت أبرز الملاحظات هي :
· الميتافيزيقيا مستحيلة ، فالأسئلة التي تطرحها مستحيلة الإجابة .
· لم يعد للميتافيزيقيا مكان بعد تطور العلوم التجريبية .
· أن قدراتنا كبشر ، لا تتعدى الظاهر . ومن الصعب الحكم على الغيبيات بالقطع .
· الميتافيزيقيا عديمة الجدوى .
· مشكلات الميتافيزيقيا لا تتغير .
وقد قام أنصار هذا العلم بتفنيد كل الانتقادات والرد عليها ، والمجال لا يتسع لذكر الردود .
هل هناك ميتافيزيقيين مسلمين ؟
نعم . وهم كثر ، وقد تناولوا العلم بأوجه مختلفة . ونذكر هنا أشهرهم على سبيل المثال لا الحصر :
1- الكندي ( 801 – 865 ) م : وهو أبو يوسف يعقوب بن اسحق الكندي ، فيلسوف العرب ، وهو أول من حاول التوفيق بين الفلسفة والدين ، ملخص مذهبه أن العالم مخلوق لله ، وأن أحداث الكون يرتبط بعضها ببعض ارتباط العلة بالمعلول ، وأن النفس جوهر بسيط هبط من عالم العقل إلى عالم الحس ، وبمفارقتها للبدن تشهد الحقائق وتستشعر اللذة ، والحواس وسيلتنا إلى إدراك الجزئيات التي لا تشكل علماً حقيقياً ، لذلك كان العلم هو علماً بالكلي الذي يدركه العقل ( وهو ما ذهب إليه أرسطو ) ، ولابد أن ننوه بان الكندي بدأ حياته الفكرية متصلاً بالمعتزلة مشاركاً في نقاشاتهم .
2- الفارابي : ( 870 – 950 ) م : وهو أبو نصر الفارابي الملقب ( بالمعلم الثاني ) على اعتبار أن أرسطو هو ( المعلم الأول ) ، وقد ألف مجموعة كبيرة من الرسالات والكتب والشروح في المنطق وما بعد الطبيعة ، وشرح سائر مؤلفات أرسطو ، وألف كذلك في الموسيقى والشعر وعلم النفس والأخلاق والسياسة .
3- ابن سينا : ( 980 – 1037 ) م : وهو أبو علي الحسن بن عبدالله بن سينا الملقب ( بالشيخ الرئيس ) ، كتب في المنطق الرياضي والطبيعي والإلهيات والحكمة والعشق وغيرها ، كان مسايراً لأرسطو في فهمه للميتافيزيقيا .
4- ابن رشد ( 1126 – 1198 ) م : وهو محمد بن أحمد بن محمد ابن رشد يلقب ( بالحفيد ) تمييزاً له عن أبيه وجده العالمان ، ألف كتباً في الطب ولخص كتاب ( الخطابة والأخلاق لأرسطو ) وغيرها من الكتب . وقد كانت ميتافيزيقية ابن رشد قائمة بذاتها منفصلة عن ميتافيزيقية أرسطو ، وقد رد على الإمام الغزالي في تكفيره للفلاسفة في مسائلٍ ثلاث : قِدَم العالم – علم الله بالجزئيات – إنكار بعث الأجساد ، وقال بأن كلام الفلاسفة لا يعارض ما جاءت به الشريعة الإسلامية بل تثبتها ولكن بطريقة أخرى .
.
.
.
المقال مستقى من عدة مصادر أهمها كتب الأستاذ إمام عبدالفتاح إمام .
ما هي الميتافيزيقيا ؟
متى أطلق هذا الاسم عليها ؟ ومن أطلقه ؟ وما معناه ؟
هل تستخدم الميتافيزيقيا التجربة ؟
هل الميتافيزيقيا هي الفلسفة الأولى ؟
ما معنى أن الله هو العلة الأولى للوجود ؟
ما هي موضوعات الميتافيزيقيا ؟
هل للميتافيزيقيا تقسيم كسائر العلوم ؟ ما هي تقسيماتها عن وجدت ؟
هل تم الاعتراض على الميتافيزيقية ؟
هل هناك ميتافيزيقيين مسلمين ؟
المقال
ما هي الميتافيزيقيا ؟
الميتافيزيقيا باختصار كانت تطلق على مجموعة البحوث والمقالات التي كتبها أرسطو باللغة اليونانية في عدة كتب ، ثم جمعت في كتاب واحد ، وأصبحت فيما بعد علم يطلق عليه هذا الاسم .
متى أطلق هذا الاسم عليها ؟ ومن أطلقه ؟ وما معناه ؟
لم يعرف فلاسفة اليونان هذا الاسم ، ولم يظهر في عصرهم . بل ظهر غي العصر الذي يليه المسمى ( الهلنيستي ) في العام الستون قبل الميلاد تقريباً ، عندما قام أندرونيقوس الرودسي ، رئيس المدرسة المشّائية في روما ( المدرسة المشّائية هي المدرسة الأرسطية ، والسبب في هذه التسمية أن من عادة أرسطو حينها أن يمشي في المدرسة التي أنشأها في ملعب رياضي يسمى اللوقيون ، فيأتي إليه تلاميذه ليلقي عليهم دروسه وهو يمشي في الحديقة ) بتصنيف كتب أرسطو وترتيبها وشرحها ، وأثناء ذلك وجد أن مجموعة تلك البحوث والكتب لم يطلق عليها أي اسم ، وأنها جاءت بعد مجموعة البحوث التي كتبها في الطبيعة ( الفيزيقيا ) ، فسماها ( ميتا ) أي ما بعد ، ليصبح اسمها ( ميتا..فيزيقيا ) أي ( ما بعد الطبيعة ) . والقصد أنها مجموعة الكتب البحوث التي تلت كتب الطبيعة . ولم تكن كلمة ( ميتافيزيقيا ) تحمل أي إشارة إلى مضمون تلك البحوث ، بل هي ما بعد طبيعة أرسطو فحسب ، ثم أصبحت فيما بعد ( مصادفةً ) تشير إلى المضمون ، بعد أن أصبح هذا العلم يهتم بكل ما تجاوز الظواهر المحسوسة .
هل تستخدم الميتافيزيقيا التجربة ؟
الميتافيزيقيا علمٌ قائمٌ على العقل ، لا تدخل فيه التجربة .
هل الميتافيزيقيا هي الفلسفة الأولى ؟
نعم . فاسم ( الفلسفة الأولى ) كان أرسطو يطلقه على مجموعة البحوث الميتافيزيقية ويرى أنها المبادئ الأولى والعلل البعيدة التي تشمل جميع المبادئ الأخرى . فهي أشمل العلوم وأكثرها يقيناً وتجرداً لأن موضوعها النهائي هو العلة الأولى أو المبدأ الأول . وهو أشرف الموضوعات وهو : الله .
ما معنى أن الله هو العلة الأولى للوجود ؟
حينما نقول أن الميتافيزيقيا تبحث عن العلل في الموجودات وسبب وجودها ، وننتقل من علة إلى أخرى أعلى منها ، ونعلم أنه من المستحيل أن تكون العلل لا متناهية ، بل لابد أن تكون هناك علة أولى أزلية تشترك فيها جميع الموجودات ، وهو الله . ومن هنا تنشأ العلاقة بين الميتافيزيقيا واللاهوت وهو علم الآلهة .
ما هي موضوعات الميتافيزيقيا ؟
لابد أن نعرف أن موضوعات الميتافيزيقيا تطورت مع الزمن ،ولكنها في الأساس ، وحسب تعريف أرسطو : البحث في الوجود بما هو موجود . ويعني هذا أن نبحث عن الحقيقة الغائبة من خلال ما هو حاضر أمامنا . مثلاً : أمامك حجر ، فهو موجود ، ولكنك لا تبحث فيه وتحلله وتسجل خواصه ، بل تثير الأسئلة التي تكشف الحقيقة الكامنة خلفه . ما أصله ؟ كيف تكون ؟ ما هي مادته الأولية ؟ وهكذا .
ثم امتد مجال الميتافيزيقيا في الفلسفة الحديثة ( 1588 – 1776 م ) ليشمل نظرية المعرفة . وقد اهتم الفلاسفة المعاصرين بمشكلة المعرفة وطرحوا حولها العديد من الأسئلة : ما مصادر المعرفة ؟ أهي الحواس أم العقل ؟ أم إلى حاسة سادسة ؟ وهل تستطيع قدراتنا وملكاتنا أن تعرف كل شيء ؟ وغيرها من الأسئلة التي تشكل مشكلة المعرفة . وبذلك تنشأ علاقة وثيقة بين نظرية الوجود ونظرية المعرفة ، حيث أن البحث في الطبيعة الحقيقية يستلزم البحث في قدرتنا المعرفية . وفي هذا المجال تحدث الكثير من الفلاسفة الوجوديون عن فكرة الوجود . ما هو ؟ أين أنا ؟ كيف جئت ؟ ماذا سيحدث بعد ذلك ؟ وشمل البحث الموت وأثيرت حوله التساؤلات ، بل وقالوا إن الموت يتبع مع الجميع سياسة ديمقراطية تقوم على المساواة المطلقة إن صح التعبير ، فهو لا يميز بين أحد وآخر مهما كان . وأن طبيعة الموت متناقضة ، لأنه يجمع بين اليقين وعدم اليقين ، فأنت تعلم يقيناً أنك ستموت ، ولكنك لا تعلم أبداً متى ستموت . ومتناقض لأنه نهاية وبداية في نفس الوقت .وأنه حرية وقيد .
وإذا كانت الوجودية قد اهتمت بالحياة والموت فإنها اهتمت أيضاً بالحب ، والقلق ، والخوف ، وقالت إن القلق هو الخوف من مجهول ، وبالحرية ، والاختيار والمسئولية والالتزام والذنب والضمير وتحقيق الذات وبالجسد والوجود الزائف .
وهكذا نجد أن موضوعات الميتافيزيقيا ومشكلاتها لم تقف جامدة ، بل كانت تتغير وتتطور طوال تاريخها ، ولكن هناك مشاكل دائمة ظلت ملازمة لها طوال حياتها مثل : مشكلة النفس وعلاقتها بالبدن ومشكلة وجود الله والأدلة على وجودة ومشكلة الزمان والمكان والجوهر والمادة والسببية والكليات والجزئيات والتغير والهوية الشخصية .
هل للميتافيزيقيا تقسيم كسائر العلوم ؟ ما هي تقسيماتها عن وجدت ؟
نعم . للميتافيزيقيا تقسيم واضح منذ نشأتها ، ولكن لم يقسمها أحد حتى القرن السابع عشر ميلادي حيث قسمها كريستيان فولف الفيلسوف التنويري الألماني . وقد قسّمها كالتالي :
1- القسم الأول : الأنطولوجيا أو نظرية الوجود :
وقد تحدثنا عن ذلك وكيف أن أرسطو كان يبحث في الوجود بما هو موجود وثم تطورت لنظرية المعرفة حتى ظهرت الوجودية الحديثة والتي تهتم بالوجود البشري .
2- القسم الثاني : السيكولوجيا العقلية :
وهي تهتم بدراسة النفس البشرية ، هل هي بسيطة أم معقدة ؟ هل هي نفس واحدة أم عدة أنفس ؟ وما العلاقة بينها ؟ وما الفرق بين النفس والروح ؟ وما علاقة الروح بالبدن ؟ وكيف تتحول الأمور النفسية إلى مادية ؟ ( مثل احمرار الوجه عند الخجل ) . وما مصير النفس بعد الموت ؟ وكيف تعاقب النفس بعد الموت ؟ وغيرها من الأسئلة .
3- القسم الثالث : الكسمولوجيا أو الكونيات :
ويشمل العالم وظهور الكون ومم يتألف ؟ وما هي الحياة ؟ وما أصلها ؟ ويدرس كذلك الأزل والزمان والمكان والغائية ( وهي البحث في غاية الحياة ) .
4- القسم الرابع : اللاهوت العقلي أو الطبيعي :
وهو يناقش موضوع الألوهية والأدلة على وجود الله وصفاته ، وانقسم الفلاسفة فيه إلى ثلاثة أقسام :
· مذهب التأليه :وهم يؤمنون بوجود الله ، بعضهم موحدين وبعضهم مشركين يقولون بتعدد الآلهة .
· مذهب الطبيعيين الإلهي : يقولون هناك إله ، ولكنهم ينكرون الوحي والرسل ، ويقولون بأن العقل قادر على معرفة الله دون رسل .
· مذهب الإلحاد : وهم ينكرون الألوهية بكل صورها . وكان الغزالي يسميهم الدهريين أو الزنادقة ومنهم ماركس ونيتشه وسارتر .
هل تم الاعتراض على الميتافيزيقية ؟
نعم . قامت العديد من المشاكل والانتقادات على هذا العلم على مر العصور خصوصاً في العصر الحديث وكانت أبرز الملاحظات هي :
· الميتافيزيقيا مستحيلة ، فالأسئلة التي تطرحها مستحيلة الإجابة .
· لم يعد للميتافيزيقيا مكان بعد تطور العلوم التجريبية .
· أن قدراتنا كبشر ، لا تتعدى الظاهر . ومن الصعب الحكم على الغيبيات بالقطع .
· الميتافيزيقيا عديمة الجدوى .
· مشكلات الميتافيزيقيا لا تتغير .
وقد قام أنصار هذا العلم بتفنيد كل الانتقادات والرد عليها ، والمجال لا يتسع لذكر الردود .
هل هناك ميتافيزيقيين مسلمين ؟
نعم . وهم كثر ، وقد تناولوا العلم بأوجه مختلفة . ونذكر هنا أشهرهم على سبيل المثال لا الحصر :
1- الكندي ( 801 – 865 ) م : وهو أبو يوسف يعقوب بن اسحق الكندي ، فيلسوف العرب ، وهو أول من حاول التوفيق بين الفلسفة والدين ، ملخص مذهبه أن العالم مخلوق لله ، وأن أحداث الكون يرتبط بعضها ببعض ارتباط العلة بالمعلول ، وأن النفس جوهر بسيط هبط من عالم العقل إلى عالم الحس ، وبمفارقتها للبدن تشهد الحقائق وتستشعر اللذة ، والحواس وسيلتنا إلى إدراك الجزئيات التي لا تشكل علماً حقيقياً ، لذلك كان العلم هو علماً بالكلي الذي يدركه العقل ( وهو ما ذهب إليه أرسطو ) ، ولابد أن ننوه بان الكندي بدأ حياته الفكرية متصلاً بالمعتزلة مشاركاً في نقاشاتهم .
2- الفارابي : ( 870 – 950 ) م : وهو أبو نصر الفارابي الملقب ( بالمعلم الثاني ) على اعتبار أن أرسطو هو ( المعلم الأول ) ، وقد ألف مجموعة كبيرة من الرسالات والكتب والشروح في المنطق وما بعد الطبيعة ، وشرح سائر مؤلفات أرسطو ، وألف كذلك في الموسيقى والشعر وعلم النفس والأخلاق والسياسة .
3- ابن سينا : ( 980 – 1037 ) م : وهو أبو علي الحسن بن عبدالله بن سينا الملقب ( بالشيخ الرئيس ) ، كتب في المنطق الرياضي والطبيعي والإلهيات والحكمة والعشق وغيرها ، كان مسايراً لأرسطو في فهمه للميتافيزيقيا .
4- ابن رشد ( 1126 – 1198 ) م : وهو محمد بن أحمد بن محمد ابن رشد يلقب ( بالحفيد ) تمييزاً له عن أبيه وجده العالمان ، ألف كتباً في الطب ولخص كتاب ( الخطابة والأخلاق لأرسطو ) وغيرها من الكتب . وقد كانت ميتافيزيقية ابن رشد قائمة بذاتها منفصلة عن ميتافيزيقية أرسطو ، وقد رد على الإمام الغزالي في تكفيره للفلاسفة في مسائلٍ ثلاث : قِدَم العالم – علم الله بالجزئيات – إنكار بعث الأجساد ، وقال بأن كلام الفلاسفة لا يعارض ما جاءت به الشريعة الإسلامية بل تثبتها ولكن بطريقة أخرى .
.
.
.
المقال مستقى من عدة مصادر أهمها كتب الأستاذ إمام عبدالفتاح إمام .
بارك الله فيك اخي ماجد
ردحذفجزاك الله خيرا
ردحذفحسنا ان الميتافيزيقيا بحسب ما اعتقد انها تربية للفكر بالنسبة للموحدين فانا امارسها لكن ربما لايمكن تطبيقها على عامة الناس وتخص بذلك المتفردين بها وهذا مايعنيه وجود عدد ليس بالقليل ميتافيزيقيين ومنهم مسلمين لكن العلم الحديث سيفتح هذا الباب او يقفله باحكام اذ ان كل مخلوق ميسر لما خلق لها
ردحذفتشكر يا الطرح:)