أطلقت وزارة التعليم مؤخراً مشروع التحول نحو التعليم الرقمي عبر شركة
تطوير لتقنيات التعليم ، وتوقعت الوزارة بناءً على ذلك وحسب ما أعلنت بأنها ستتوقف
عن طباعة الكتب خلال عامين أو ثلاثة أعوام ، وكما نفهم من الإعلان فإن الهدف
الحالي هو الاستغناء عن الكتب الدراسية بشكلها الحالي المطبوع وتحويلها إلى مقررات
رقمية توضع على أجهزة لوحية ، وممارسة التعليم عبر الوسائط والأجهزة الذكية بدلاً
عن الكتب المطبوعة وباستخدام شبكة الانترنت ، حيث صرحت الوزارة أنه بالتزامن مع
إطلاق المشروع ، ستعمل على تحسين جودة اتصال الانترنت بالمدارسة وتخفيض التكلفة
بالتنسيق مع شركات الاتصالات .
وقبل أن أبين وجهة نظري حول هذا المشروع أودّ أن أشيد بتبني الوزارة
خلال الأعوام السابقة لمشروع التعلم النشط والذي ينم عن وعي حقيقي وإدراك لمسألة
مهمة ومفصلية في العملية التعليمية حيث بدأ الانتقال من مرحلة التلقين إلى مرحلة
التعلم التي يقع الدور الأكبر فيها على الطالب في استنتاج أو اكتشاف أو استقاء
المعلومة عبر أنشطة أو أعمال يقوم بها للوصول إلى الهدف ، بحيث لا يتعدى دور
المعلم التوجيه والإعداد والتيسير على الطالب ، وقد كانت الوزارة مدركة وواعية في
هذا المشروع الضخم والمهم والذي استبشرنا به خيراً أهمية العمل اليدوي للطالب
ودوره المهم في ترسيخ المعلومة عبر اكتشافها ولمسها وتشربها .
وبالعودة إلى مشروع التحول الرقمي فإنني سأتناول الموضوع من بعض
الجوانب بشكل عام وسريع ثم سأطرح بعض الأسئلة التي أرى أنه من المهم معرفة
إجاباتها قبل اتخاذ الخطوة .
بداية ، أعتقد بأنه لم تراعى في هذا المشروع مسألة التطور البنائي
والتراكمي للمنظومات المختلفة والتي تحكم البناء وتجعله صلباً في وجه الرياح ،
وتعتبر المناهج الرقمية ( في حال سلمنا بأنها مرحلة لابد من الوصول إليها ) في
أعلى البناء للمنظومة التعليمية بعد البنية التحتية الأساسية من مبانٍ ومعامل
وتجهيزات وتقنيات تعليمية وأنظمة مناسبة للعدد والمكان وبالطريقة الصحيحة ،
بالإضافة إلى المناهج ( والتي أعتقد أننا قطعنا شوطاً كبيراً فيها ) والتدريب
وغيرها من الأمور الأساسية المهمة ، كما أنني أعتقد بأن مثل هذا التحول يفترض وجود
بنية تنموية كاملة مثل وصول الكهرباء والاتصالات بشكل جيد لكافة المناطق التي تقدم
فيها الوزارة خدماتها وتوفر مراكز الصيانة والتقنية في هذه الأماكن وقدرة سكانها
على التعامل بشكل جيد مع التقنية وهو الأمر الذي لم يتحقق حتى الآن بالشكل الكافي ،
لذلك فإنني أرى أنه كان من الأجدى إطلاق مشروع تهيئة البنية الأساسية للتعليم
واستغلال المبالغ التي ستصرف في العمل الذي نكون متأكدين من نفعه.
أما من ناحية الطالب فإنه من المهم البحث عن الآثار الصحية والتربوية
في هذا التحول ، ولا شك بأنه كان من الواجب على الوزارة قبل اتخاذ القرار ، إجراء
الأبحاث والدراسات الميدانية المكثفة حول مدى فهم واستيعاب الطالب للمعلومة من الجهاز
وعن جدوى استعمال المناهج الرقمية وما إذا كان بالفعل سيساعد على زيادة جودة
المخرجات أم أنه مجرد شكل لا يقدم ولا يؤخر ، بالإضافة إلى استشارة الأطباء وأخذ
رأيهم في مسألة الآثار الصحية المترتبة على كثرة استخدام الأجهزة وكثرة التعرض
للأشعة والموجات خلال اليوم الدراسي ، وفي حال كانت هناك بالفعل أبحاث ودراسات
أجرتها الوزارة فإننا نتمنى أن تقوم الوزارة بنشرها حتى يطمأن الناس على أبنائهم .
من خلال متابعة لردود أفعال الناس على المشروع توقع البعض أن يكون
الهدف اقتصادي متمثلاً في توفير قيمة طباعة الكتب ، وأعتقد أن الأمر ليس كذلك
لأننا نعلم بأن إطلاق المشروع في بيئة غير مهيأة سيكون مكلفاً بشكل لا يمكن توقعه
وستكون قيمة الأجهزة مرتفعة وصيانتها مكلفة وتجهيزات المدارس فوق القدرات المتاحة
، كما أنه كان بالإمكان لو كانت الهدف
اقتصادي إيجاد البدائل الممكنة مثل وضع قيمة على الكتب يدفعها الآباء مع تخصيص
كميات معينة للطلاب أصحاب الدخل المتدني وهي حالات مسجلة ومرصودة في المدارس ولن
يمانع أحد من دفع قيمة الكتب إذا كانت معقولة وربما يكون لذلك الأمر أهداف تربوية
عديدة .
إن كل ما ذكر أعلاه هو متعلق بموضوع استبدال الكتب الدراسية الورقية
بالإلكترونية فقط ، أما استخدام التقنية والكتب والمراجع الرقمية وطرق البحث
الحديثة ومنصات التواصل التعليمي وطرق الحفظ والبحث وخلافها فإنها ضرورة بل واجب
على الجميع في هذا الوقت ولا بد من باب الإنصاف أن نذكر بأن تحويل المناهج إلى
مناهج رقمية له بالفعل إيجابيات عديدة حيث التفاعل والحجم وإدراج الروابط وتخفيف
العبء ، على أن تكون رافد مهم وداعم أساسي للمناهج الأساسية ومكمل لها عبر
استخدامها للإثراء والتوسع والبحث عن المعلومة لكتابتها أو رسمها أو تشكيلها ، وكنت
أتمنى في حال وجود الرغبة غي الانتقال للمناهج الرقمية بالكامل أن يتم تطبيق
التجربة في عدد من المدارس ولعدة سنوات ثم قياس النتائج ومعرفة الإيجابيات
والسلبيات ثم الحكم بعد ذلك بتعميم الأمر أو التراجع عنه وربما التعديل عليه بما
يتلاءم مع الواقع ، كما أنني كنت أتمنى أن يتم أخذ رأي التربويين والمعلمين وأولياء
الأمور في استفتاء واسع وشامل وسماع مختلف وجهات النظر .
أخيراً فإنني سأطرح عدد من الأسئلة التي لا أبحث عن إجابة لها بقدر ما
أحاول أن أستبق المشكلات التي قد تظهر وألفت النظر إليها :
1- من سيتحمل قيمة
الأجهزة ؟ وفي حال كانت الوزارة هي من سيتحملها فكم المدة التي من المفترض أن يبقى
الجهاز مع الطالب حتى يصرف له جهاز آخر ؟
2- في حال قام أحد
الطلاب بإتلاف جهاز زميل له ، من سيتحمل تكلفة الإصلاح ؟ وكيف ؟
3- كيف سيتعامل المعلم
مع مشاكل نفاد البطارية والشحن وتوقف نظام التشغيل خلال اليوم الدراسي ؟
4- هل سيتم استخدام
أجهزة معدة خصيصاً للمقررات أم ستكون من الأجهزة المتاحة بالأسواق وهل يجب على
جميع الطلاب الحصول على نفس الجهاز ؟
5- ماذا لو تعطل جهاز
الطالب أو انقطعت الكهرباء أو خدمة الانترنت خلال فترة الاختبارات النهائية ؟
6- كيف سيكون وضع القرى
والمناطق النائية مع الأجهزة ؟ ( وهنا تفاصيل وأسئلة كثيرة جدا ) .
7- هل تم وضع خطة
للتراجع عن المشروع في حال ثبت عدم جدواه أم أننا سنحتاج إلى قرارات وخطط أخرى ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أتشرف بتعليقكم ومنتابعتكم