كب كيك

( نشرت في صحيفة خليجي بوست )

نلاحظ خلال السنوات الأخيرة سيطرة عدد من الشركات أو الأسماء الكبيرة على أنشطة تجارية معينة بحيث يسيطر كل اسم على نشاط معين من خلال افتتاح عدد كبير جداً من الفروع أو الاستحواذ على محلات مشابهة لنشاطه بعد أن يخرجها من دائرة المنافسة ، هنالك من سيطر على أسواق الملابس وآخر يسيطر على الصيدليات وثالث على محلات البقالة الكبيرة وهكذا ، هذا الأمر بالإضافة إلى سيطرة العمالة الوافدة على المحلات الصغيرة التي تخدم معظم الناس في حياتهم اليومية جعل الدخول للسوق بغرض التجارة للمواطن العادي أمر محفوف بمخاطر الخسارة والفشل مما دفع بالكثيرين إلى البحث عن مشاريع جديدة لم تنفذ بعد ، أو تطوير خدمة معينة بطريقة مختلفة تجذب الزبائن وتمنح المحل التجاري ميزة إضافية لا تتوفر في المحلات الأخرى .
إن البحث عن المشاريع الجديدة التي تحمل طابع الإبداع أو الابتكار أمر جيد وطريقة رائعة لتجديد المنتجات وبالتالي خلق فرص عمل عديدة واتجاهات اجتماعية جديدة على أن يكون هذا الإبداع شامل لكافة المجالات وبشكل متوازن حتى تتحقق الفائدة ، وهذا يدفعنا إلى استحضار موضوع انتشار ثقافة ريادة الأعمال بشكل واسع وكثرة المتحدثين فيها وإبراز بعض النماذج الناجحة التي أنشأت مشاريع حققت مكاسب وشهرة واسعة وحث الناس على الاتجاه في هذا الطريق .
من خلال ملاحظة ومتابعة بسيطة للمشاريع التي يفترض أن تحمل الطابع الإبداعي ، نلاحظ أنها تتركز في غالبيتها على أمرين ، الأول هو الغذاء خصوصاً الحلويات والأمر الآخر هو التوصيل ( لحد باب بيتك ) حتى أن الحماس لهذه الفكرة وصل بأحدهم أن طرح مشروع فرن محمول على شاحنة يخبز لك الخبز أمام منزلك ، طبعاً لا أقلل من قيمة المشروع بقدر ما أؤكد على أن مسألة التوصيل أصبحت تستحوذ على الاهتمام فعلاً .
لا زالت التبعية والتقليد والخوف من المبادرة هي النمط المسيطر اجتماعياً ، وهذا ربما ما يفسر لنا تشابه الكثير من المشاريع الشبابية التي يتوقع أن تحمل طابع الإبداع والتجديد فنلاحظ أن المشاريع أصبحت  مثل ( الموضة ) تظهر وتغيب فجأة كما تنتشر فجأة تقليعة ملبس أو تسريحة شعر فبمجرّد توجه شخص أو اثنين لمجال معين تجد أن الجميع يحصر تفكيره ورؤيته للدخول في هذا المجال وفي الغالب بنفس الطريقة وبعد فترة يخفت بريق هذا النشاط فيغلق الجميع أبواب محلاتهم .
إن السمات الشخصية التي يتمتع بها الشاب أو الشابة أحد أهم العوامل التي تؤثر بشكل مباشر في شكل الإبداع والتجديد في المشاريع الشبابية الجديدة ، فالإبداع في شتى المجالات ومن ضمنها المشاريع التجارية يتطلب تربية مبكرة على طريقة التفكير خلافاً للسائد عبر دمج مهارات التفكير الإبداعي في المناهج الدراسية أو من خلال تقديمها للأطفال والمراهقين على هيئة برامج مستقلة عن طريق مدربين متخصصين في التدريب على التفكير بأنواعه ، كذلك من الأمور التي يجب أن تتوافر في الشخصية حتى تفكر وتبدع أن تكون الشخصية مستقلة غير تابعة في اتخاذ القرار لا تنتظر دائماً الحلول الجاهزة ، من جهة أخرى فإن عدم وجود مؤسسات مجتمعية تهتم بتوعية وتدريب ومساعدة الشباب والشابات بشكل حقيقي وواقعي على البدء في مشاريعهم المبتكرة يعيق التقدم التجاري لديهم ويكبدهم خسائر فادحة ، نعم هنالك مجموعات قائمة على مثل هذه الأعمال في مختلف المدن والمحافظات لكن الغالب على عمل هذه المجموعات هي النخبوية وتركيزها على مجموعة من الأشخاص والمشاريع التي نراها تتكرر في كل لقاء أو مؤتمر متعلق بريادة الأعمال والمشاريع الشبابية الإبداعية .
ولا بد أن ننوّه هنا بأن المجالات التي تحمل فرصاً تجارية بإمكان الشباب والشابات الإبداع فبه عديدة ومتنوعة فهنالك المجال الصناعي أو الخدمي أو مجال المعرفة والترجمة والتدريب وغيرها الكثير من المجالات التي تحمل بداخلها العديد من الفرص الرائعة والمنتجة والتي تعود بالنفع الحقيقي لكنها تحتاج فقط بعضاً من البحث والتفكير بشكل مختلف بعيداً عن الكب كيك والشاي على الجمر .

التاسعة مساءً

( نشرت في صحيفة خليجي بوست )

تداول المواطنون في المملكة العربية السعودية منذ يومين خبر يفيد بقرب تطبيق قرار إغلاق المحال التجارية عند التاسعة مساءً على نطاق واسع وفي كل الوسائل ، وكانت التوصية بهذا القرار قد رفعت للجهات المسؤولة سابقاً من قبل المجتمعين ضمن الحوار الوطني الأول الذي أقيم في مدينة الرياض عام 1433 هـ بمشاركة جميع أطراف الإنتاج من أصحاب العمل ووزارة العمل بالإضافة إلى مشاركة مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ، وقد جاء هذا الحوار تنفيذاً لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين آنذاك الذي وجّه بأن يكون ملف سوق العمل موضوع هذا الحوار ، بعد ذلك أخذ القرار حقه الكامل من الدراسات والاستشارات حتى تم إقراره مع تعليق تنفيذه حتى يحين الوقت المناسب لذلك .
من خلال متابعة ردود فعل المواطنين خلال اليومين الماضيين تجاه هذا الخبر نلاحظ زيادة كبيرة في نسبة المؤيدين للقرار ، حيث ارتفعت هذه النسبة أمام نسبة غير المؤيدين له مقارنة بالعام السابق حين تم الإعلان عنه ، كما يلاحظ أن معظم الذين لا يؤيدونه بنوا وجهات نظرهم بناءً على رؤيتهم له من ناحية اجتماعية فقط تتعلق في مجملها بأسلوب الحياة العامة للأسرة والأفراد وظروفها الاجتماعية .
لقد ذكر العديد من المسؤولين والاقتصاديين خلال حديثهم عن القرار بأنه قرار اقتصادي تنموي بالدرجة الأولى الهدف منه تحسين بيئة العمل الخاص وجعلها جاذبة للموظف السعودي الذي يحتّم عليه تواجده في بلده مسؤوليات عائلية واجتماعية لا يمكن تلبيتها مع طول ساعات الدوام في المحلات التجارية والذي يصل في كثير من الأحيان إلى ما بعد منتصف الليل ، والجميل هنا أن هذا القرار سيأتي كما ذُكر متزامناً مع قرار تحديد ساعات العمل بثمان ساعات يومياً كحد أقصى ، وهذا ما سيحد من تسرب المواطنين من وظائف القطاع الخاص خصوصاً المتعلقة بمحلات البيع في الأسواق الكبيرة .
كما نعلم فإن وزارة العمل ومن خلال عدة قرارات تسير باتجاه المساواة بين مميزات العمل في القطاعين العام والخاص هو توجه مفيد ومهم سيساهم بشكل كبير في تخفيض نسب البطالة وتخفيف الضغط على الوظائف الحكومية ، كما أنه سيسهم في تحسين البيئة الاجتماعية من خلال مساعدة الموظفين على الاستقرار الوظيفي وبالتالي تمكنهم من تكوين أسر مستقرة تحظى برعاية رب الأسرة خلال الأوقات التي يفترض تواجده فيها في المنزل كما أنه سيساعد الموظفات من النساء اللاتي يعملن في محلات بيع التجزئة الخاصة بالمستلزمات النسائية على الإيفاء بمتطلباتهن الأسرية والاجتماعية .
إن غالبية الأمور التي يخشاها الذين لا يؤيدون هذا القرار قد تحدث عنها وزير العمل وبقية المسؤولين وأفادوا بأنها محل نظر ومراعاة وبأن هناك استثناءات لمحلات عديدة لا بد من بقائها مفتوحة لوقت متأخر مثل الصيدليات ومحطات تعبئة الوقود وبعض المطاعم وخلافه ، كما أفادوا بأن هناك نظام جديد تتم دراسته وربما سيصدر بالتزامن مع القرار فيما يخص المحلات التي تفتح أبوابها طوال اليوم للمتسوقين .

التخوف من التغيير قبل صدور أي قرار يمس الحياة الاجتماعية المعتادة هو أمر طبيعي ومتوقع دوماً ، ولا يلام صاحبه أبداً إذ أن الإنسان دوما يسعى إلى المحافظة على نمط حياته ولا يريد أن يطرأ عليه أي اختلاف لا يكون متأكداً من إن كان سيناسبه أو لا ، لكني أتوقع بشكل عام أن يساهم القرار في تحسين الكثير من العادات الاجتماعية التي تحتاج إلى تحسين فيما يخص الأوقات ، نعم قد يكون هذا التحسين بطيئاً وربما يستغرق وقتاً طويلاً ، لكن في النهاية سيعتاد الناس على عادات أفضل وسيحقق القرار بإذن الله إلى جانب هذا الأثر الاجتماعي الايجابي آثاره الاقتصادية والتنموية المنشودة .