جوانب مضيئة في عتمة الكوارث

مرت المملكة العربية السعودية مؤخراً بثلاث أزمات رئيسية حظيت بحراك كبير في الرأي العام وتركت أثراً بالغاً في تفكير أفراد المجتمع وتصرفاتهم واهتماماتهم .
كل تلك الأزمات حصدت عدد كبير من المواطنين والمقيمين وهو شيء مؤسف تأثرنا به كثيراً وانتابنا الحزن المشوب بالأسف على قلة التخطيط وغياب الوعي وعدم الاكتراث بالمصائب والتخطيط المسبق لتلافيها .ولست هنا بصدد التأنيب أو التنديد أو توزيع التهم . ولم أكتب لأبين حجم الكوارث أو تأثيرها السلبي على المجتمع ، فقد سبقني بذلك من هو أعلم وأجدر ، كلٌ في تخصصه وحسب مايراه . ولكنني في هذا المقال المتواضع أحاول تسليط الضوء على جوانب ايجابيةتعلمناها أو لمسناها في تلك الأزمات رغم عظم المصاب وحجم الكارثة .
.
هنالك ايجابيات عامة مثل توحّد هم المواطنين ، وشعورهم بنفس الخطر مما يزيد الترابط والألفة . ففي المحن لاتيارات ولا شعارات ولا فصائل ، الخطر يحدق بالكل دون استثناء ، يشعر الجميع بأنهم في وجه المدفع ، لافرق بينهم ، فهم أبناء وطن واحد .
.
أما الايجابيات في كل أزمة فهي كالتالي
.
الأزمة الأولى كانت وافدة من الخارج وهي أزمة مرض انفلوزا الخنازير التي حصدت أرواح العديد من المرضى في ظل التهاون مع التعامل معهامن قبل بعض الجهات ، هذه الأزمة جعلت الناس أكثر وعياً بمخاطر الأمراض ولو سألت أحد الأطفال عن كيفية الوقاية من الأمراض الفيروسية لأجابك بكل ثقة بما يجب فعله . تعلم الناس من هذه الأزمة كيفية التعقيم ، وكيفية التصرف في الأماكن العامة المزدحمة ، وجعلتهم أكثر اهتماماً بالنظافة الشخصية ، وأكثر وعياً في مجال مراجعة الطبيب بدل أخذ الأدوية والمضادات من الصيدلية مباشرة .
كان الأحرى بنا أن تكون تلك التصرفات جزءاً من ثقافتنا ولكنها لم تكن كذلك حتى جاء المرض وأرغمنا عليها .
.
الأزمة الثانية هي الحرب التي نشبت في الجنوب بين القوات السعودية والمجموعة التي تطلق على نفسها الحوثيين ، انطلقت الحرب واستشهد فيها من استشهد واستفدنا منها كثيراً رغم ماخسرناه من جنودنا أبناء الوطن . تعلمنا ألا نهمل حدودنا وأن نهتم بدخول وخروجأفراد القبائل منها ، وأن نترك فيها مدناً تحتوي على كافة الخدمات ويتضح ذلك في أمر خادم الحرمين الشريفين ببناء عشرة آلاف مسكن لتشكل نواة مدينة عصرية توفر سبل العيش الكريم للمواطنين على الحدود ، وتحفظ أمن البلد من غدر المعتدين . تعرفنا بعد هذه الحرب على حدودنا وعلى القرى القابعة هناك التي كانت تعاني جهلنا بها ونسيان المسئولين تطويرها، وبحثنا عن المجموعات والفرق الضالة التي تترصد بنا تعلمنا كيف نتوقع الضربة في أي وقت وفي أي مكان ، وعرفنا دور الجيش في حمايتنا وحماية البلد بعد الله .
كان الأحرى بنا أن يكون كل ذلك جزء من ثقافتنا ولكنه لم يكن حتى جاءت الأزمة وأرغمتنا على ذلك .
.
الأزمة الثالثة وهي السيول التي ضربت مدينة جدة ، وماحصل جرّاء ذلك من خسائر في الأرواح والممتلكات ، خسرنا كثيراً ولكننا استفدنا .فقد جرفت السيول الأخطاء المتراكمة والفساد المستشري ووضعته في مكان يراه الجميع بدون استثناء . يشير إليه المواطن بيد المشتكيويشير إليه الحاكم بيد المحاسب . فقد غسلت المياهُ الطين الذي غطى به اللص سوأته لتتعرى الحقيقة التي غابت عن الكثير ، وبتنا اليوم وكأننانستيقظ من سبات عميق ، من اليوم سيفكر من يحاول الخداع ألف مرة قبل أن يقبل على خدعته ، من اليوم سوف نرى المشاريع تنفذ بإتقانخشية أن يأتي شيء مجهول ويعريها . علمتنا الأزمة المحاسبة ، والمراقبة الدقيقة ، وعدم الثقة المفرطة . علمتنا أن نسأل عما أنفق ، وكيف أنفق. علمتنا معنى العمل التطوعي ، ومعنى التضحية من أجل الآخرين . علمتنا أن نحسن التخطيط ، ونتوقع الأسوأ .
كان من الأحرى أن يكون كل ذلك جزءاً من ثقافتنا ولكنه لم يكن حتى حلت الكارثة وأرغمتنا عليه .
.
كل ما أتمناه هو ألا ترغمنا كوارث أخرى على أشياء من المفترض أن تكون جزءاً من ثقافتنا ، وهي كثر ولكنها تحتاج من أصحاب العقولوالعلم التفكر وقبله الإخلاص والاحساس بالمسئولية .

من أقوال بعض الفلاسفة



.
سقراط :

حكيم فاضل زاهد من أهل أثينا . اقتبس الحكمة من فيثاغورس و أرسالاوس واقتصر على الإلهيات والأخلاق من أقواله :

- الحكمة إذا أقبلت خدمت الشهوات العقول ، وإذا أدبرت خدمت العقول الشهوات .

- لا تكرهوا أولادكم على آثاركم ، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم .

- للحياة حدان أحدهما الأمل والآخر الأجل ، فبالأول بقاؤها وبالآخر فناؤها ..


سولون :


احد حكماء اليونان ، سن قوانين إصلاحية واجتماعية وسياسية ومن أقواله :

- دع المزاح فإن المزاح لقاح الضغائن .

- سئل أي شيء أصعب على الإنسان ؟ فقال : أن يعرف عيب نفسه ، وأن يمسك عما لا ينبغي أن يتكلم به .

- ليكن اختيارك من الاشياء أحدثها ومن الأصدقاء أقدمهم ..


أوميروس الشاعر :


شاعر ملحمي يوناني أعمى ، صاحب الإلياذة والأوديسة ، قال :

- لاخير في كثرة الرؤساء .

- لِــن تنبل واحلم تعز ولا تكن معجباً فتمتهن واقهر شهوتك فإن الفقير من انحط لشهواته .

- الأب من ربى لامن ولد ..


الاسكندر الرومي :


وهو ذو القرنين وليس المذكور في القرآن وقد قيل له إنك تعظم مؤدبك أكثر من والدك فقال : أبي كان سبب حياتي الفانية ومؤدبي هو سبب حياتي الباقية .ومن أقواله :

- سلطان العقل على باطن العقل أشد من تحكما من سلطان السيف على ظاهر الأحمق .

- النظر في المرآة يري رسم الوجه وفي أقاويل الحكماء يري رسم النفس .

- استقلل كثير ما تعطي واستكثر قليل ما تأخذ فإن قرة عين الكريم فيما يعطي ومسرة اللئيم فيما يأخذ .
.
.
.



أعظم الأخطاء في التاريخ

-1-
باع جورج هاريشن من جنوب أفريقيا مزرعته إلى شركة تنقيب بعشرة جنيهات فقط لعدم صلاحيتها للزراعة ، وحين شرعت الشركة في استغلالها ، اكتشفت بها أكبر منجم للذهب على الإطلاق ، أصبح بعدها هذا المنجم مسؤولاً عن 70% من إنتاج الذهب في العالم
***********
***********-2-
وفي إحدى ليالي 1696م أوى الخباز البريطاني جوفينز إلى فراشه ، ولكنه نسي إطفاء شعلة صغيرة بقيت في فرنه، وقد أدى هذا "الخطأ" إلى اشتعال منزله ثم منزل جيرانه ثم الحارات المجاورة ، حتى احترقت نصف لندن ومات الآلاف من سكانها ، فيما أصبح يعرف "بالحريق الكبير" ،، جوفينز نفسه لم يصب بأذى !!
***********
***********

-3-
وفي عام 1347م دخلت بعض الفئران إلى ثلاث سفن إيطالية كانت راسية في الصين ، وحين وصلت إلى ميناء مسينا الإيطالي خرجت منها ، ونشرت الطاعون في المدينة ثم في كامل إيطاليا . وكان الطاعون قد قضى أصلاً على نصف سكان الصين في ذلك الوقت ، ثم من إيطاليا انتشر في كامل أوروبا فقتل ثلث سكانها خلال عشر سنوات فقط
***********
***********

-4-
تذكر بعض المصادر أن أحد الملوك البريطانيين اختلف مع البابا في وقت كانت فيه بريطانيا كاثوليكية ، وكرد انتقامي حرّم البابا تزاوج البريطانيين الأمر الذي أوقع الملك في حرج أمام شعبه ، وللخروج من هذا المأزق طلب من ملوك الطوائف في الأندلس إرسال بعض المشايخ كي تتحول بريطانيا للإسلام نكاية بالفاتيكان ! إلاّ أن "جماعتنا" تقاعسوا عن تنفيذ هذا الطلب حتى وصل الخبر إلى البابا ، فأصلح الخلاف ورفع قرار التحريم ( ولك أن تتصور إسلام بريطانيا، ثم ظهورها كإمبراطورية لا تغيب عنها الشمس ) !!



***********
***********
-5-
وكانت فرصة مشابهة قد سنحت للمسلمين ، خلال معركة بلاط الشهداء (قرب بواتييه في فرنسا) ، ففي هذه المعركة كرر المسلمون نفس الخطأ القاتل في معركة أحد ؛ فقد تراجعوا لحماية غنائمهم من جيش شارلمان ، فغلبوا وتوقف الزحف الإسلامي على كامل أوروبا . يقول أحد المؤرخين الإنجليز : "لو لم يهزم العرب في بواتييه ، لرأيتم القرآن يُتلى ويُفسر في كامبريدج وأكسفورد" !!
.
.
.
.
من البريد

أثر الهواء في أخلاق البشر



قبل أن أورد ما ذكره ابن خلدون في مقدمته لابد أن أشير إلى تقسيم الأرض الذي كان سائدا منذ زمن ولست متأكداً من التقسيم هل هو لابن خلدون أو أنه منسوب لأحد آخر من المتقدمين عنه .
تم تقسيم الأرض والبلاد إلى سبعة أقاليم أولها في الجنوب من جهة خط الاستواء وسابعها في الشمال بمحاذاة أوروبا . وكانت السودان ( وأعتقد أنه يقصد بها العرب من الأفارقة ) في الإقليم الأول والثاني من جهة الغرب . وذهكر ابن خلدون تأثير ذلك في لون البشر وأشكالهم وطريقة عيشهم كذلك في طبيعة الأرض ونوع الحيوانات وذهب إلى أبعد من ذلك بكثير في تصنيف المجتمعات وذكر أخبارهم .
وما لفت نظري واستوقفني هو رأيه في أثر الهواء ( ويقصد الجو ) في أخلاق البشر وسوف أذكر هنا بعضا مما قاله.
يقول في مقدمته :
قد رأينا من خلق السودان على العموم الخفة و الطيش و كثرة الطرب فتجدهم مولعين بالرقص على كل توقيع موصوفين بالحمق في كل قطر و السبب الصحيح في ذلك أنه تقرر في موضعه من الحكمة أن طبيعة الفرح و السرور هي انتشار الروح الحيواني و تفشيه و طبيعة الحزن بالعكس و هو انقباضه و تكاثفه. و تقرر أن الحرارة مفشية للهواء و البخار مخلخلة له زائدة في كميته و لهذا يجد المنتشي من الفرح و السرور مالا يعبر عنه و ذلك بما يداخل بخار الروح في القلب من الحرارة العزيزية التي تبعثها سورة الخمر في الروح من مزاجه فيتفشى الروح وتجيء طبيعة الفرح و كذلك نجد المتنعمين بالحمامات إذا تنفسوا في هوائها واتصلت حرارة الهواء في أرواحهم فتسخنت لذلك حدث لهم فرح و ربما انبعث الكثير منهم بالغناء الناشئ عن السرور. و لما كان السودان ساكنين في الإقليم الحار و استولى الحر على أمزجتهم و في أصل تكوينهم كان في أرواحهم من الحرارة على نسبة أبدانهم و إقليمهم فتكون أرواحهم بالقياس إلى أرواح أهل الإقليم الرابع أشد حراً فتكون أكثر تفشياً فتكون أسرع فرحاً و سروراً و أكثر انبساطاً و يجيء الطيش على أثر هذه وكذلك يلحق بهم قليلا أهل البلاد البحرية لما كان هواؤها متضاعف الحرارة بما ينعكس عليه من أضواء بسيط البحر و أشعته كانت حصتهم من توابع الحرارة في الفرح و الخفة موجودة أكثر من بلاد التلول و الجبال الباردة و قد نجد يسيراً من ذلك في أهل البلاد الجزيرية من الإقليم الثالث لتوفر الحرارة فيها و في هوائها لأنها عريقة في الجنوب عن الأرياف و التلول و اعتبر ذلك أيضاً بأهل مصر فإنها مثل عرض البلاد الجزيرية أو قريباً منها كيف غلب الفرح عليهم و الخفة و الغفلة عن العواقب حتى أنهم لا يدخرون أقوات سنتهم و لا شهرهم و عامةً مأكلهم من أسواقهم. و لما كانت فاس من بلاد المغرب بالعكس منها في التوغل في التلول الباردة كيف ترى أهلها مطرقين إطراق الحزن و كيف أفرطوا في نظر العواقب حتى أن الرجل منهم ليدخر قوت سنتين من حبوب الحنطة و يباكر الأسواق لشراء قوته ليومه مخافة أن يرزأ شيئاً من مدخره وتتبع ذلك في الأقاليم و البلدان تجد في الأخلاق أثراً من كيفيات الهواء و الله الخلاق العليم و قد تعرض المسعودي للبحث عن السبب في خفة السودان و طيشهم و كثرة الطرب فيهم و حاول تعليله فلم يأت بشيء أكثر من أنه نقل عن جالينوس و يعقوب بن إسحاق الكندي أن ذلك لضعف أدمغتهم و ما نشأ عنه من ضعف عقولهم و هذا كلام لا محصل له و لا برهان فيه و الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.